آخر الأخبار

[5]

نحو النهوض بالتنمية المستدامة في السودان


بقلم: محمد صديق، مساعد السفير لشؤون الإعلام

أعد هذا المقال بشأن الرؤى والنُهُج والنماذج والأدوات المختلفة الرامية لتحقيق الاستدامة البيئية في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر في السودان وويعتمد المقال في مرجعيته على الوثيقة الختامية لمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، ”المستقبل الذي نصبو إليه“. ونتناول هنا شرحاً موجزا عن ماهية مصطلح التنمية المستدامة بشكل موجز وأهداف التنمية المستدامة وعلاقتها بوضع السودان.
إن ندرة الموارد الاقتصادية وتغير النظام السياسي، وإنعدام الأمن الغذائي، وعدم الإنصاف في توزيع موارد الدولة كل هذه العوامل تشير إلى الحاجة إلى تغيير جذري في مجتمعنا. ولمواجهة ذلك، اعتمدت جمعية الأمم المتحدة للبيئة التي تضم 193 عضوا خطة التنمية المستدامة لعام 2030 إلى جانب أهدافها الإنمائية المستدامة السبعة عشر، لتحفيز العمل على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة لإنهاء الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان السلام و الازدهار للجميع. وتدعم الأمم المتحدة البيئة البلدان من ذات التصنيف الثالث في تنفيذ جدول أعمال التنمية المستدامة الجديدة من خلال بناء البنية التحتية للدول ولمعالجة هذه القضايا وتتبع التقدم المحرز.

ظهر مصطلح "التنمية المستدامة" لأول مرة في منشور أصدره الاتحاد الدولي من أجل حماية البيئة سنة 1980، لكن تداوله على نطاق واسع لم يحصل إلا بعد أن أُعِيد استخدامه في تقرير "مستقبلنا المشترك" المعروف باسم "تقرير برونتلاند"، والذي صدر 1987 عن اللجنة العالمية للبيئة والتنمية التابعة للأمم المتحدة، تحت إشراف رئيسة وزراء النرويج آنذاك غرو هارلم برونتلاند. وقد عرّف التقرير التنمية المستدامة بأنها "التنمية التي تستجيب لحاجيات الحاضر دون أن تُعرِّض للخطر قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها". ويركز هذا التعريف ضمنيا على فكرتين محوريتين هما: فكرة الحاجيات، وخصوصا الحاجيات الأساسية للفئات الاجتماعية الأكثر فقرا التي تستحق أن تُولَى أهمية كبرى؛ وفكرة محدودية قدرة البيئة على الاستجابة للحاجيات الحالية والمستقبلية للبشرية، في ظل أنماط الإنتاج والاستهلاك السائدة والتقنيات المتوفرة. أما أهداف التنمية المستدامة، والمعروفة كذلك باسم الأهداف العالمية، فتجسد دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان تمتع جميع الناس بالسلام والازدهار.

أهداف التنمية المستدامة - المكتب الخاص لمعالي السفير سعيد زكي

وتستند الأهداف السبعة عشر إلى ما تم احرازه من نجاحات في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية (2000-2015)، كما تشمل كذلك مجالات جديدة مثل تغير المناخ، وعدم المساواة الاقتصادية، وتعزيز الابتكار، والاستهلاك المستدام، والسلام، والعدالة، ضمن أولويات أخرى. جاءت الأهداف مترابطة – لأنه غالباً ما يكمن مفتاح النجاح في تحقيق هدف بعينه في معالجة قضايا ترتبط بشكل وثيق بأهداف أخرى. وتقتضي أهداف التنمية المستدامة العمل بروح الشراكة وبشكل عملي حتى يمكننا اليوم اتخاذ الخيارات الصحيحة لتحسين الحياة، بطريقة مستدامة، للأجيال القادمة. وهي توفر مبادئ توجيهية وغايات واضحة لجميع البلدان لكي تعتمدها وفقا لأولوياتها مع الوضع في الإعتبار التحديات البيئية التي يواجهها العالم بأسره.

تمثل أهداف التنمية المستدامة جدول أعمال شامل. وهي تعالج الأسباب الجذرية للفقر وتوحدنا معا لإحداث تغيير إيجابي لكل من البشر والكوكب. تقول هيلين كلارك مديرة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن "دعم أجندة العام 2030 هو أولوية قصوى بالنسبة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي،" وأضافت "إن أهداف التنمية المستدامة توفر لنا خطة وجدول أعمال مشتركين لمعالجة بعض التحديات الملحة التي تواجه عالمنا مثل الفقر وتغير المناخ والصراعات.

يُعتبر تطوير الاستراتيجيات وترجمة 17 هدفاً و169 مؤشراً إلى نتائج قابلة للقياس تحدياً صعباً ومعقداً. ولأجل نجاح هذه الاستراتيجيات يجب على أصحاب المصلحة توفير إطار واضح يساعد على رسم خارطة الطريق ومراقبة النتائج والمخرجات بإستمرار. ويتطلب قياس التقدم الذي تحرزه أهداف التنمية المستدامة بالتالي مؤشرات تنير الطريق مستقبلاً وتساعد في تقييم مدى تنفيذ الأهداف. وينبغي لهذه المؤشرات أن تسمح أيضًا باكتشاف المشاكل والتحديات التي تهدد بتأخير خطط التنمية المستدامة.

أصدر مجلس قيادة شبكة حلول التنمية المستدامة دراسة لوضع إطار عمل يتكون من مائة مؤشر رصد عالمي بهدف تحويل الأهداف إلى أدوات إدارية معلوماتية ومؤشرات تقرير في نهاية المطاف لمساعدة الجهات المعنية على متابعة التنفيذ والتقدم ذات الصلة بأهداف التنمية المستدامة. وتشير الدراسة إلى عدد من المؤشرات الوطنية التكميلية، والتي يمكن لكل دولة الاختيار من بينها بما يتناسب مع أوضاعها على ضوء البيئة والظروف الوطنية وإمكانات التنفيذ.

هنالك دراسة يمكن الرجوع اليها كمرجع أساسي لمؤشرات التنمية المستدامة في السودان وهي للدكتور عبدالرحمن محمد الحسن الأستاذ بجامعة بخت الرضا. اهتمت هذه الدراسة بمؤشرات التنمية وخاصة بعض المؤشرات الصحية والبيئية في السودان، واستعرضت عدة مؤشرات مهمة حيث تناول كل مؤشر من هذه المؤشرات جزءاً مهماً من مؤشرات التنمية في السودان، وجاء الموضوع منسجماً مع متطلبات التنمية في العصر الحديث مثل، متوسط دخل الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، ومؤشر العمر المتوقع عند الولادة، ومعدل وفيات الرضع، ووفيات الأطفال دون سن الخامسة، والسكان الذين يحصلون على مياه مأمونة، والمكان الذين يحصلون على خدمات الصرف الصحي.

تمحورت الدراسة حول ماهية مؤشرات التنمية الاقتصادية الصحية والبيئية التي تحقق للإنسان مستوى معين من الرفاهية والتطور وموقف دولة السودان من هذه المؤشرات على ضوء التقدم المحرز – إن وجد. وتنبع أهمية الموضوع أن الأمم المتحدة أقرت عبر تقاريرها المختلفة بأن عملية التنمية المستدامة والشاملة هي تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية مع الحفاظ على الموارد الطبيعية وضمان مواصلة التنمية الاجتماعية والبيئية والسياسية والاقتصادية المؤسسة على أساس المساواة. وقد هدفت الدراسة إلى التعرف على أهم المؤشرات الصحية والبيئية في السودان وتحديد أكثرها ضعفاً، ومقارنة المؤشرات الصحية والبيئية في السودان مع بعض الدول المجاورة. وقد خلصت الدراسة إلى ضرورة الاهتمام بالمؤشرات الصحية والبيئية حتى يستطيع الإنسان أن يقوم بدوره التنموي.

"لو ألقيت بذرة في السودان لأنبتت شجرة" مقولة قديمة فكل الإمكانيات هنا متوافرة تنتظر من يطورها ويستغلها لصالح هذا البلد. لم يعد يكفي الحديث عن موارد السودان الضخمة والغنية بعيدا عن الاستفادة منها فالسودان ذلك البلد الواعد الذي توقع الخبراء أن يكون سلة غذاء العالم العربي لم يحقق ذلك الأمل بل أصبح هو نفسه مستوردا للغذاء، وقد ظل يحتل مرتبة متقدمة بين الدول الفقيرة وهذا يطرح سؤالا محيراً: لماذا يبدو حال السودان هكذا؟ كثير من الخبراء يعزون ذلك إلى اعتبارات مختلفة منها الاضطراب السياسي وغياب خطة واضحة لإدارة الاقتصاد وتقلب أنماط إدارة اقتصاد الدولة فقد انتهج السودان خلال عشر سنوات فقط إبان حكم الرئيس السابق جعفر النميري الذي انتهى منتصف الثمانينات القرن الماضي، ثلاث أنماط إقتصادية هي الرأسمالية والاشتراكية والنمط الإسلامي، رغم أن السودان لم يكن يعتمد إلا على موارد غير بترولية في تلك الحقبة. ويرى التيجاني الطيب وزير مالية سابق وخبير في صندوق النقد الدولي أن معوقات التنمية في السودان تعود في بعض أسبابها إلى السياسات الاستثمارية التي تشجع الاستثمار في قطاع الخدمات مما أدى طردياً لهروب العمالة في القطاعات الإنتاجية كالزراعة والصناعة إلى المدن وتفشي نسبة البطالة والفقر.  

وفي ظل أجواء يسودها الإحساس المتزايد بقدرة السودان في الوقت الراهن علي تغيير الواقع واحراز التغيير في النهوض بأهداف التنمية المستدامة في ظل النظام السياسي الجديد والذي يجب في رأيي أن تتخذ أهداف التنمية المستدامة كخارطة للطريق لتحقيق النمو المرجو في المدى القريب من جهة ومن جهة أخرى تمثل التنمية المستدامة فرصة جديدة لنوعيّة النمو الاقتصادي وكيفيّة توزيع منافعه على طبقات المجتمع كافة، وليس مجرّد عمليّة توسع اقتصادي، لا تمنع من ازدياد الفوارق بين مداخيل الأفراد والجماعات، التنمية المستدامة تفرض نفسها كمفهوم عملي للمشاكل المتعدّدة التي تتحدّى البشرية. إنها تسمح بتقييم المخاطر ونشر الوعي وتوجيه العمل الإقتصادي على المستويات المحلّية والإقليميّة والدولية.

وقد دلت التجارب والدراسات المختلفة على نظرية التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أن رأس المال يعدّ أحد أهم العناصر اللازمة توافرها لتحقيق القدر من التنمية، مع الأخذ في الاعتبار أهمية العناصر الأخرى والجدير بالذكر أن لقضية التنمية الاقتصادية بعد مجتمعي على مستوى العالم المتقدم أو النامي. وهي تعدّ هدفًا تسعى إليه جميع الدول من خلال العمل على الاحتفاظ بمعدل مناسب من التنمية، حتى يتحقق للمجتمع، على المدى البعيد، التوظف الكامل من دون حدوث تضخم أو انكماش. والهدف من التنمية هو زيادة معدلات النمو في الدخل القومي الحقيقي، أي الحد من البطالة والارتقاء بالمواطن وتحقيق آماله في حياة كريمة وفق معايير صحية وتعليمية واجتماعية وكل ما يجعل منه إنسانًا صالحًا مساهمًا في تقدم وطنه. 

وأبرز ما تنطوي عليه عملية التنمية هو إحداث تغيير جذري في هيكلة المجتمع على المستويات الاقتصادية والاجتماعية كافة، من أجل القضاء على مسببات التخلف بالقدر الذي يعالج أسباب الفقر، ويضمن حق المحتاجين في الموارد المتاحة في المجتمع، وتوفير الضمانات الاجتماعية لهم وتقديم الرعاية الصحية. هذه المعالجة تتضمن رؤية حول مفهوم التنمية الاقتصادية وأهدافها والسياسات المطلوبة لتحقيقها. والواقع أن العمل على وضع برامج للتنمية الاقتصادية أو الإسراع بها يهم الدول الغنية والفقيرة على حد سواء. فالدول الغنية ترغب في الاحتفاظ بمعدلات تنمية مرتفعة لتجنب الكساد والركود طويل الأمد. وما لم يكن معدل التنمية مرتفعًا، فإن هذه الدول قد تعاني زيادة الإنتاج عن الحدود المطلوبة مقابل الطلب الكلي (محلي وأسواق خارجية) ومن ثم تواجه مشكلة الكساد والركود والبطالة لأمد طويل. في حين تكون التنمية الاقتصادية مطلبًا ملحًا للدول الفقيرة كأحد الحلول اللازمة لمواجهة التطرّف والحد من تكريس التبعية. وترى أوساط الأمم المتحدة أن العوامل الاجتماعية من أكبر الأسباب في إشعال الصراعات. ومن ثم على استراتيجيات التنمية السعي إلى تحقيق التوزيع العادل للدخول والعوائد الاقتصادية والثروات للحيلولة دون تفجّر الصراعات، وهذا هو مقصد التنمية الاقتصادية.


تتمثّل أهداف التنمية الاقتصادية بزيادة الدخل القومي والارتقاء بمستوى معيشة الإنسان وتقليل الفجوة الداخلية، مع تعديل تركيبة هيكل الاقتصاد القومي لمصلحة قطاع الصناعة والتجارة. وتلك الأهداف هي، في واقع الأمر، بمنزلة علاج للمشكلات الناتجـة من الخصائص الأساسية التي تتمثل باقتصاديات الدول الفقيرة التي تعدّ دولاً منتجة للمواد الاولية وبعضها قابل للنفاد. هذه البلدان تواجه ضغوطًا سكانية وارتفاعًا في معدلات المواليد، وتمتلك موارد طبيعية لم يتم تطويرها نظرًا إلى ضعف الاستثمارات وخصوصًا بالبنية التحتية، إضافة إلى العجز في رأس المال نتيجة ضعف التراكم الرأسمالي بسبب نقص المدّخرات، وميل معدلات التبادل التجاري لغير صالحها، ما يجعل هذه الدول عرضة للتقلب الاقتصادي وتأثرها بالدورات الاقتصادية العالمية. كما أنها تعاني الخلل البنائي لأفراد المجتمع، من حيث انخفاض مستوى الدخل الشخصي، وسوء توزيع العاملين في القطاعات الاقتصادية، وضعف الإنتاجية وانتشار الفساد الإداري، وعدم الشفافية، واختلال آليات السوق في غياب القوانين الكابحة للاحتكار، ثم الطغيان السلطوي والاستبداد.

فضلاً عن ذلك، هناك الدول الغنية بالموارد والفريدة بالموقع وذات الموروث الثقافي والحضاري، ولكنها فقيرة بفعل الفساد والاستبداد وتحالف رأس المال غير المنتج مع غاسلي الأموال والمهربين والمتهربين. لا بد من سياسات وإجراءات يتعيّن على الدول انتهاجها كأساس لتحقيق أهداف التنمية. إذ يرى الاقتصاديون أن وجود مناخ وبيئة مؤاتيين لأي نشاط اقتصادي هو نتاج لمجموعة من السياسات التي تم حصر أهمها بما يلي: ترشيد السياسات المالية والنقدية وإدارة الدين الخارجي وخدمته، وهي عناصر رئيسة وضرورية للنمو الاقتصادي الحقيقي المستمر.

نحو النهوض بالتنمية المستدامة في السودان نحو النهوض بالتنمية المستدامة في السودان Reviewed by The Private Office on أكتوبر 18, 2019 Rating: 5

Sora Templates

[recent]